تصور عزيزي القارئ بأنك مخلوق فضائي فائق الذكاء وصلت إلى الكرة الأرضية على متن مركبة فضائية متطورة عابرا مئات السنين الضوئية في رحلة استكشافية طويلة المدى بحثا عن عوالم وكواكب جديدة، وقد أخبرك طاقم العلماء والباحثين في مركبتك بأن هذا الكوكب الجديد الذي وصلتم إليه للتو، والمدعو بالأرض، يحتوي على منظومة إحيائية ضخمة ومتنوعة من المخلوقات والكائنات الحية التي تحتاج لسنوات طويلة من الدراسة والتصنيف، ثم طلبوا منك أن تختار بقعة معينة على هذا الكوكب لإنشاء قاعدة ومختبر للبحوث يكون خفيا وبعيدا عن العيون النهمة والمتطفلة لذلك الكائن العاقل المدعو بالإنسان وفي نفس الوقت يكون قريبا من تجمعاته السكنية من أجل دراسته عن كثب ..
فأين ستختار هذه البقعة يا ترى؟.
حتما سيقع اختيارك على تجمع بشري نائي ومعزول في بيئة موحشة وقاسية تجعل الأنظار والشكوك تزول تماما عن سبب اختفاء الأشخاص الذين سيختطفهم علماءك من أجل إجراء الفحوص والتجارب عليهم .. ولعل بلدة نوم (Nome ) القطبية الصغيرة الغافية بسكون على سواحل ولاية ألاسكا الأمريكية ستكون حتما خيارا مثاليا لإنشاء قاعدتك السرية.
هذه المقدمة القصيرة عزيزي القارئ تلخص وتبسط لك فكرة وقصة فلم "النوع الرابع" ، فهو باختصار يتناول قضايا وحوادث غامضة جرى خلالها اختطاف بعض سكان بلدة نوم من قبل مخلوقات فضائية غامضة. والفلم يعرض علينا ملابسات هذه الاختطافات على شكل مزيج سينمائي مرعب يجمع ما بين الفلم الروائي والوثائقي، هو بذلك أقرب ما يكون إلى نوعية أفلام رعب على شاكلة فلم "مشروع ساحرة بلير" الشهير. ولتعزيز وتقوية مصداقية الفلم تظهر علينا أولا بطلته الممثلة أوكرانية الأصل ميلا جوفوفيتش لتقدم نفسها لنا باسمها الحقيقي قائلة بأنها تمثل دور الطبيبة ابيجيل تايلر وبأن القصة التي سنشاهدها لاحقا خلال الفلم مقتبسة عن أحداث واقعية وبأن بعض المشاهد جرى تطعيمها بلقطات وثائقية حقيقية. وأول هذه اللقطات نشاهدها في الدقائق الأولى للفلم حيث تظهر الطبيبة ابيجيل تايلر الحقيقية وقد جرى تمويه وجهها خلال مقابلة تلفزيونية تروي فيها جانبا من قصتها.
ثم سرعان ما تعود بنا الكاميرا من عالم الحقيقة إلى عالم التمثيل لنشاهد الممثلة ميلا جوفوفيتش مرة أخرى .. هذه المرة وهي تتقمص شخصية الطبيبة النفسانية أبيجيل تايلر المختصة بمعالجة اضطرابات النوم والتي لفت انتباهها وجود تطابق غريب بين رؤى وهلوسات بعض مرضاها الذين يعانون من الأرق وفقدان الذاكرة، فهؤلاء المرضى يقولون بأنهم يشاهدون بومة بيضاء تحدق أليهم كل ليلة عبر نافذة الشارع. وهذا التطابق والتشابه الغريب يدفع الطبيبة تايلر إلى إخضاع اثنين من أولئك المرضى إلى جلسات تنويم مغناطيسي تكتشف من خلالها بأنهما تعرضا إلى مواجهة مرعبة مع مخلوقات فضائية غامضة قامت باقتحام منازلهم واختطافهم ثم قامت بمحو ذاكرتهم فلم يعودوا يذكرون شيئا عن ما فعلته تلك المخلوقات بهم. ولاحقا تكتشف الطبيبة ابيجال بأنها هي نفسها تعرضت للاختطاف من قبل تلك المخلوقات التي كانت تتكلم لغة غريبة تعرف عليها أحد المختصين باللغات القديمة لاحقا على أنها لغة سومرية، وهي لغة تكلم بها سكان وادي الرافدين القدامى وقد انقرضت واندثرت منذ آلاف السنين. وتزداد غرابة الأحداث بقيام أحد مرضى الطبيبة تايلر الذين خضعوا للتنويم المغناطيسي بقتل جميع إفراد عائلته قبل أن ينتحر، ثم تتعرض ابنة الطبيبة ابيجيل للاختطاف. ومن أجل استعادة ابنتها تخضع الطبيبة نفسها للتنويم المغناطيسي بمساعدة اثنان من أصدقاءها في محاولة للتواصل مع المخلوقات الفضائية المجهولة، وهو الأمر الذي يقود إلى مواجهة مرعبة وأحداث مثيرة لن نخوض في تفاصيلها الكاملة لكي لا نفسد عليكم متعة مشاهدة الفلم .. لأنه فعلا فلم يستحق المشاهدة .. فلم سيجعل شعر رأسك ينتصب من الخوف خصوصا عند مشاهدة اللقطات التي يزعم صانعوا الفلم بأنها حقيقية.
ما هو النوع الرابع ؟
في عام 1972 وضع الدكتور جوزيف ألين هاينك (J. Allen Hynek ) ، المختص بشؤون الصحون الطائرة، مقياسا لتصنيف أنواع المواجهات المحتملة بين الإنسان والصحون الطائرة مجهولة الهوية، هذا المقياس تكون من أربعة مستويات أو أنواع في بادئ الأمر، لكن بمرور الزمن أضيفت إليه أنواع جديدة من قبل باحثين آخرين ليصبح شكله النهائي كالآتي :
1 – النوع الأول : مشاهدة بصرية لكائن طائر مجهول الهوية.
2 – النوع الثاني : مشاهدة بصرية مع آثار مادية يتركها الكائن الطائر على الكائنات الحية والجمادات.
3 – النوع الثالث : مشاهدة ركاب (مخلوقات فضائية) داخل أو خارج الكائن الطائر.
4 – النوع الرابع : اختطاف البشر من قبل ركاب الكائن الطائر.
5 – النوع الخامس :حدوث اتصال بين الإنسان والمخلوقات الفضائية.
6 – النوع السادس : أن يؤدي الاتصال مع المخلوقات الفضائية إلى التسبب بجروح جسدية أو الموت.
7 – النوع السابع : حدوث اتصال جنسي بين الإنسان والمخلوقات الفضائية.
8 – النوع الثامن : ولادة مخلوقات هجينة جراء الاتصال الجنسي بين الإنسان والمخلوقات الفضائية.
وطبقا لهذا المقياس فأن النوع الرابع، أي عنوان فلمنا الذي نتحدث عنه في هذا المقال، يتعلق بحوادث اختطاف البشر من قبل رواد الصحون الطائرة. وهي للعلم ليست بحوادث نادرة الحدوث، فهناك الكثير من القصص حول العالم لأناس زعموا بأنه جرى اختطافهم من قبل مخلوقات فضائية وأجريت عليهم اختبارات وفحوص داخل صحون ومراكب طائرة متطورة، لا بل هناك قصص تتعلق بالنوع السابع من المقياس قد نعود أليها قريبا في مقال من سلسلة عجائب العشق والغرام.
هل يختفي الناس حقا في بلدة نوم ؟
بعيدا عن أجواء الفلم ولقطاته الوثائقية فأن الإحصاءات الرسمية الأمريكية تقول بأن مئات الأشخاص اختفوا وضاعت آثارهم نهائيا في ولاية ألاسكا منذ عام 1960 وحتى يومنا هذا، وبلدة نوم التي يسكنها قرابة الأربعة آلاف شخص لم تكن بمعزل عن هذه الحوادث الغامضة والمريبة، ففي السنوات القليلة المنصرمة اختفى العشرات من سكانها وسكان القرى والبلدات المجاورة لها، وهذه الحوادث، علاوة على ما أشيع حول مشاهدة أجسام طائرة مجهولة الهوية، أثارت قلق السكان إلى درجة أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI ) تدخل بنفسه عام 2005 للتحقيق في عينة من قضايا الاختفاء الغامضة تضم حوالي عشرين قضية، لم يتم العثور على جثث المفقودين مطلقا في تسعة منها. وقد خلص محققي المكتب في النهاية إلى إن معظم تلك القضايا سببها الطبيعة القاسية والنائية للمنطقة، فهي منطقة قطبية منعزلة تغطيها الثلوج على مدار السنة وتحيط بها مساحات شاسعة من الأراضي الخالية من البشر، لذا لا عجب أن تضيع فيها آثار بعض الأشخاص من حين لآخر، خصوصا أولئك السكارى والثملين والمستكشفين الذين يخرجون أثناء هبوب العواصف الثلجية.
هل هناك حقا طبيبة تدعى أبيجيل تايلر ؟
كما ذكرنا آنفا فأن بلدة نوم القطبية شهدت فعلا حوادث اختفاء غامضة، مع أنه لم يثبت أبدا بأن للمخلوقات الفضائية والصحون الطائرة يد في تلك الأختفاءات. لكن فلم النوع الرابع يقدم لنا عينة حية عن تلك الحوادث متمثلة في شخصية الطبيبة أبيجيل تايلر، التي يزعم صانعوا الفلم بأنها طبيبة نفسانية تعيش في بلدة نوم وقد قدموها لنا في بداية الفلم وهي تروي قصتها بعد أن قاموا بتمويه وجهها لإضفاء شعور بأن ما نشاهده حقيقة وليس تمثيل. ولأن مصداقية الفلم ترتبط بدرجة كبيرة بحقيقة وجود هذه الشخصية .. فأن معظم المشاهدين سيتساءلون حتما حول ما إذا كانت هناك حقا طبيبة نفسانية تدعى أبيجيل تايلر ؟.
والجواب هو .. كلا .. لا توجد أية طبيبة نفسانية مسجلة في بلدة نوم بأسم أبيجيل تايلر، كما لا يوجد أي دليل يشير إلى وجود طبيبة بهذا الأسم عاشت أو عملت سابقا في ألاسكا. الدليل الوحيد على وجود هذه الطبيبة يتمثل في موقع الكتروني تم إشهاره في عام 2010 بأسم الطبيبة ابيجيل تايلر ويتحدث عن حوادث الاختطاف في ألاسكا، ومعظم ما مذكور في الموقع مأخوذ عن الصحف والجرائد المحلية، أي أن الموقع لا يقدم أي جديد، كما أنه يغفل عمدا عن تقديم أية معلومات محددة عن هوية وشخصية الطبيبة تايلر، ولا حتى عنوان بريدي للتواصل معها. وقد بحثت أنا شخصيا عن هذا الموقع لكني لم أجده، ولا أظنني سأجده لأن الغرض الأصلي من وجوده قد انتهى بعد أن حقق فلم – النوع الرابع – أرباحا كبيرة قدرها 47 مليون دولار.
أذن هل قصة الفلم ملفقة ؟
نعم عزيزي القارئ .. هذه هي الحقيقة للأسف، مع أني أعلم بأن أغلب من شاهدوا الفلم لا يرغبون بسماع هذه الحقيقة لأن الفلم يبدو مقنعا بدرجة كبيرة، لكن ما كنا لنروج للأكاذيب على صفحات هذا الموقع. فصانعوا الفلم استغلوا قضية حوادث الاختفاء الغامضة في بلدة نوم القطبية ليصنعوا منها كذبة كبيرة تم ترتيبها وتنميقها بصورة احترافية حتى بدت كالحقيقة. فاللقطات الوثائقية التي تظهر خلال الفلم والتي زعموا لنا بأنها لقطات واقعية لجلسات تنويم مغناطيسي لم تكن في الحقيقة سوى مشاهد ملفقة تم أنتاجها بواسطة الحيل والمؤثرات الصوتية والصورية التي تتيحها أجهزة الحاسوب. أما السيدة التي جرى تمويه وجهها على أنها الطبيبة أبيجيل تايلر الحقيقية فليست في الواقع سوى ممثلة انجليزية مغمورة تدعى شارلوت ملجارد (Charlotte Milchard ). وكما ذكرنا سابقا، فمن أجل أن يحبكوا خدعتهم قام صناع الفلم بإشهار موقع الكتروني بأسم الطبيبة النفسانية أبيجيل تايلر، وذلك للاحتيال على أولئك الذين سيبحثون عن معلومات عنها على الانترنت، فعثورهم على موقعها الالكتروني المزعوم سيعزز حتما من واقعية شخصيتها و مصداقية الفلم ككل .. يالها من خدعة متقنة!.
هل اخطأ صانعوا الفلم بكذبهم على المشاهدين ؟
قانونيا لا .. فلا يوجد قانون يمنع أو يحاسب على وضع عبارة "مقتبس عن قصة حقيقة" على الأفلام، ويمكن لصناع الأفلام أن يزعموا ويفعلوا ما يشاءون من اجل الترويج لأفلامهم.
لكن هل يجوز ذلك أخلاقيا ؟ .. بالطبع لا .. فلا يجوز حتما استغفال الناس والضحك على ذقونهم، كما لا تجوز المتاجرة بمآسي الأشخاص الذين فقدوا حياتهم في حوادث الاختفاء الغامضة والتلاعب مشاعر عائلاتهم المنكوبة.
لكن من أجل المال يفعل الناس كل شيء.
أخيرا .. لابد من التذكير بأن العالم لا يخلو من حوادث اختفاء غامضة تحدث سنويا، وهناك قصص مشهورة تطرقنا لبعضها على هذا الموقع عن اختطاف البشر من قبل رواد الصحون الطائرة من أجل إجراء التجارب والفحوصات عليهم، لكن يبقى السؤال المطروح دائما حول هذه الحوادث يتخلص في السبب الذي يجعل الفضائيين خجولين إلى هذه الدرجة ليقوموا باختطاف الناس في السر وبالخفاء ؟ أنا شخصيا لم أفهم ذلك أبدا .. لماذا مخلوقات بالغة الذكاء قطعت مليارات الأميال عبر الفضاء للوصول إلى أرضنا تتحاشى التكلم معنا مباشرة، مما هم خائفون ؟ .. لماذا لا يظهرون ويأخذون بيدنا نحن البشريين المساكين لنتخلص من غباءنا وحروبنا وفقرنا وأمراضنا والموت الذي يحصد أرواحنا .. لماذا لا يكشفون القناع عن وجوههم بدل لعبة المطاردة والاختباء التي يمارسوها معنا منذ مئات وآلاف السنين ..
ربما الحكمة تقتضي بقائهم مجهولين .. أو ربما لا يكون لهم وجود أصلا وجميع قصصهم هي من اختراع الخيال الإنساني الخصب، ربما نحن المخلوقات الذكية الوحيدة التي تعيش في هذا الكون المترامي الأطراف ؟ .. ربما قدرنا أن نبقى وحيدين وحائرين دوما وأبدا ..
المصادر:
..................
1- The Fourth Kind (2009)
2- The Fourth KindFrom Wikipedia the free encyclopedia
3- The real story behind The Fourth Kind
3- “The Fourth Kind” Is A Hoax
3- J. Allen Hynek's Scale of UFO Classification
فأين ستختار هذه البقعة يا ترى؟.
حتما سيقع اختيارك على تجمع بشري نائي ومعزول في بيئة موحشة وقاسية تجعل الأنظار والشكوك تزول تماما عن سبب اختفاء الأشخاص الذين سيختطفهم علماءك من أجل إجراء الفحوص والتجارب عليهم .. ولعل بلدة نوم (Nome ) القطبية الصغيرة الغافية بسكون على سواحل ولاية ألاسكا الأمريكية ستكون حتما خيارا مثاليا لإنشاء قاعدتك السرية.
هذه المقدمة القصيرة عزيزي القارئ تلخص وتبسط لك فكرة وقصة فلم "النوع الرابع" ، فهو باختصار يتناول قضايا وحوادث غامضة جرى خلالها اختطاف بعض سكان بلدة نوم من قبل مخلوقات فضائية غامضة. والفلم يعرض علينا ملابسات هذه الاختطافات على شكل مزيج سينمائي مرعب يجمع ما بين الفلم الروائي والوثائقي، هو بذلك أقرب ما يكون إلى نوعية أفلام رعب على شاكلة فلم "مشروع ساحرة بلير" الشهير. ولتعزيز وتقوية مصداقية الفلم تظهر علينا أولا بطلته الممثلة أوكرانية الأصل ميلا جوفوفيتش لتقدم نفسها لنا باسمها الحقيقي قائلة بأنها تمثل دور الطبيبة ابيجيل تايلر وبأن القصة التي سنشاهدها لاحقا خلال الفلم مقتبسة عن أحداث واقعية وبأن بعض المشاهد جرى تطعيمها بلقطات وثائقية حقيقية. وأول هذه اللقطات نشاهدها في الدقائق الأولى للفلم حيث تظهر الطبيبة ابيجيل تايلر الحقيقية وقد جرى تمويه وجهها خلال مقابلة تلفزيونية تروي فيها جانبا من قصتها.
ثم سرعان ما تعود بنا الكاميرا من عالم الحقيقة إلى عالم التمثيل لنشاهد الممثلة ميلا جوفوفيتش مرة أخرى .. هذه المرة وهي تتقمص شخصية الطبيبة النفسانية أبيجيل تايلر المختصة بمعالجة اضطرابات النوم والتي لفت انتباهها وجود تطابق غريب بين رؤى وهلوسات بعض مرضاها الذين يعانون من الأرق وفقدان الذاكرة، فهؤلاء المرضى يقولون بأنهم يشاهدون بومة بيضاء تحدق أليهم كل ليلة عبر نافذة الشارع. وهذا التطابق والتشابه الغريب يدفع الطبيبة تايلر إلى إخضاع اثنين من أولئك المرضى إلى جلسات تنويم مغناطيسي تكتشف من خلالها بأنهما تعرضا إلى مواجهة مرعبة مع مخلوقات فضائية غامضة قامت باقتحام منازلهم واختطافهم ثم قامت بمحو ذاكرتهم فلم يعودوا يذكرون شيئا عن ما فعلته تلك المخلوقات بهم. ولاحقا تكتشف الطبيبة ابيجال بأنها هي نفسها تعرضت للاختطاف من قبل تلك المخلوقات التي كانت تتكلم لغة غريبة تعرف عليها أحد المختصين باللغات القديمة لاحقا على أنها لغة سومرية، وهي لغة تكلم بها سكان وادي الرافدين القدامى وقد انقرضت واندثرت منذ آلاف السنين. وتزداد غرابة الأحداث بقيام أحد مرضى الطبيبة تايلر الذين خضعوا للتنويم المغناطيسي بقتل جميع إفراد عائلته قبل أن ينتحر، ثم تتعرض ابنة الطبيبة ابيجيل للاختطاف. ومن أجل استعادة ابنتها تخضع الطبيبة نفسها للتنويم المغناطيسي بمساعدة اثنان من أصدقاءها في محاولة للتواصل مع المخلوقات الفضائية المجهولة، وهو الأمر الذي يقود إلى مواجهة مرعبة وأحداث مثيرة لن نخوض في تفاصيلها الكاملة لكي لا نفسد عليكم متعة مشاهدة الفلم .. لأنه فعلا فلم يستحق المشاهدة .. فلم سيجعل شعر رأسك ينتصب من الخوف خصوصا عند مشاهدة اللقطات التي يزعم صانعوا الفلم بأنها حقيقية.
ما هو النوع الرابع ؟
في عام 1972 وضع الدكتور جوزيف ألين هاينك (J. Allen Hynek ) ، المختص بشؤون الصحون الطائرة، مقياسا لتصنيف أنواع المواجهات المحتملة بين الإنسان والصحون الطائرة مجهولة الهوية، هذا المقياس تكون من أربعة مستويات أو أنواع في بادئ الأمر، لكن بمرور الزمن أضيفت إليه أنواع جديدة من قبل باحثين آخرين ليصبح شكله النهائي كالآتي :
1 – النوع الأول : مشاهدة بصرية لكائن طائر مجهول الهوية.
2 – النوع الثاني : مشاهدة بصرية مع آثار مادية يتركها الكائن الطائر على الكائنات الحية والجمادات.
3 – النوع الثالث : مشاهدة ركاب (مخلوقات فضائية) داخل أو خارج الكائن الطائر.
4 – النوع الرابع : اختطاف البشر من قبل ركاب الكائن الطائر.
5 – النوع الخامس :حدوث اتصال بين الإنسان والمخلوقات الفضائية.
6 – النوع السادس : أن يؤدي الاتصال مع المخلوقات الفضائية إلى التسبب بجروح جسدية أو الموت.
7 – النوع السابع : حدوث اتصال جنسي بين الإنسان والمخلوقات الفضائية.
8 – النوع الثامن : ولادة مخلوقات هجينة جراء الاتصال الجنسي بين الإنسان والمخلوقات الفضائية.
وطبقا لهذا المقياس فأن النوع الرابع، أي عنوان فلمنا الذي نتحدث عنه في هذا المقال، يتعلق بحوادث اختطاف البشر من قبل رواد الصحون الطائرة. وهي للعلم ليست بحوادث نادرة الحدوث، فهناك الكثير من القصص حول العالم لأناس زعموا بأنه جرى اختطافهم من قبل مخلوقات فضائية وأجريت عليهم اختبارات وفحوص داخل صحون ومراكب طائرة متطورة، لا بل هناك قصص تتعلق بالنوع السابع من المقياس قد نعود أليها قريبا في مقال من سلسلة عجائب العشق والغرام.
هل يختفي الناس حقا في بلدة نوم ؟
بعيدا عن أجواء الفلم ولقطاته الوثائقية فأن الإحصاءات الرسمية الأمريكية تقول بأن مئات الأشخاص اختفوا وضاعت آثارهم نهائيا في ولاية ألاسكا منذ عام 1960 وحتى يومنا هذا، وبلدة نوم التي يسكنها قرابة الأربعة آلاف شخص لم تكن بمعزل عن هذه الحوادث الغامضة والمريبة، ففي السنوات القليلة المنصرمة اختفى العشرات من سكانها وسكان القرى والبلدات المجاورة لها، وهذه الحوادث، علاوة على ما أشيع حول مشاهدة أجسام طائرة مجهولة الهوية، أثارت قلق السكان إلى درجة أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI ) تدخل بنفسه عام 2005 للتحقيق في عينة من قضايا الاختفاء الغامضة تضم حوالي عشرين قضية، لم يتم العثور على جثث المفقودين مطلقا في تسعة منها. وقد خلص محققي المكتب في النهاية إلى إن معظم تلك القضايا سببها الطبيعة القاسية والنائية للمنطقة، فهي منطقة قطبية منعزلة تغطيها الثلوج على مدار السنة وتحيط بها مساحات شاسعة من الأراضي الخالية من البشر، لذا لا عجب أن تضيع فيها آثار بعض الأشخاص من حين لآخر، خصوصا أولئك السكارى والثملين والمستكشفين الذين يخرجون أثناء هبوب العواصف الثلجية.
هل هناك حقا طبيبة تدعى أبيجيل تايلر ؟
كما ذكرنا آنفا فأن بلدة نوم القطبية شهدت فعلا حوادث اختفاء غامضة، مع أنه لم يثبت أبدا بأن للمخلوقات الفضائية والصحون الطائرة يد في تلك الأختفاءات. لكن فلم النوع الرابع يقدم لنا عينة حية عن تلك الحوادث متمثلة في شخصية الطبيبة أبيجيل تايلر، التي يزعم صانعوا الفلم بأنها طبيبة نفسانية تعيش في بلدة نوم وقد قدموها لنا في بداية الفلم وهي تروي قصتها بعد أن قاموا بتمويه وجهها لإضفاء شعور بأن ما نشاهده حقيقة وليس تمثيل. ولأن مصداقية الفلم ترتبط بدرجة كبيرة بحقيقة وجود هذه الشخصية .. فأن معظم المشاهدين سيتساءلون حتما حول ما إذا كانت هناك حقا طبيبة نفسانية تدعى أبيجيل تايلر ؟.
والجواب هو .. كلا .. لا توجد أية طبيبة نفسانية مسجلة في بلدة نوم بأسم أبيجيل تايلر، كما لا يوجد أي دليل يشير إلى وجود طبيبة بهذا الأسم عاشت أو عملت سابقا في ألاسكا. الدليل الوحيد على وجود هذه الطبيبة يتمثل في موقع الكتروني تم إشهاره في عام 2010 بأسم الطبيبة ابيجيل تايلر ويتحدث عن حوادث الاختطاف في ألاسكا، ومعظم ما مذكور في الموقع مأخوذ عن الصحف والجرائد المحلية، أي أن الموقع لا يقدم أي جديد، كما أنه يغفل عمدا عن تقديم أية معلومات محددة عن هوية وشخصية الطبيبة تايلر، ولا حتى عنوان بريدي للتواصل معها. وقد بحثت أنا شخصيا عن هذا الموقع لكني لم أجده، ولا أظنني سأجده لأن الغرض الأصلي من وجوده قد انتهى بعد أن حقق فلم – النوع الرابع – أرباحا كبيرة قدرها 47 مليون دولار.
أذن هل قصة الفلم ملفقة ؟
نعم عزيزي القارئ .. هذه هي الحقيقة للأسف، مع أني أعلم بأن أغلب من شاهدوا الفلم لا يرغبون بسماع هذه الحقيقة لأن الفلم يبدو مقنعا بدرجة كبيرة، لكن ما كنا لنروج للأكاذيب على صفحات هذا الموقع. فصانعوا الفلم استغلوا قضية حوادث الاختفاء الغامضة في بلدة نوم القطبية ليصنعوا منها كذبة كبيرة تم ترتيبها وتنميقها بصورة احترافية حتى بدت كالحقيقة. فاللقطات الوثائقية التي تظهر خلال الفلم والتي زعموا لنا بأنها لقطات واقعية لجلسات تنويم مغناطيسي لم تكن في الحقيقة سوى مشاهد ملفقة تم أنتاجها بواسطة الحيل والمؤثرات الصوتية والصورية التي تتيحها أجهزة الحاسوب. أما السيدة التي جرى تمويه وجهها على أنها الطبيبة أبيجيل تايلر الحقيقية فليست في الواقع سوى ممثلة انجليزية مغمورة تدعى شارلوت ملجارد (Charlotte Milchard ). وكما ذكرنا سابقا، فمن أجل أن يحبكوا خدعتهم قام صناع الفلم بإشهار موقع الكتروني بأسم الطبيبة النفسانية أبيجيل تايلر، وذلك للاحتيال على أولئك الذين سيبحثون عن معلومات عنها على الانترنت، فعثورهم على موقعها الالكتروني المزعوم سيعزز حتما من واقعية شخصيتها و مصداقية الفلم ككل .. يالها من خدعة متقنة!.
هل اخطأ صانعوا الفلم بكذبهم على المشاهدين ؟
قانونيا لا .. فلا يوجد قانون يمنع أو يحاسب على وضع عبارة "مقتبس عن قصة حقيقة" على الأفلام، ويمكن لصناع الأفلام أن يزعموا ويفعلوا ما يشاءون من اجل الترويج لأفلامهم.
لكن هل يجوز ذلك أخلاقيا ؟ .. بالطبع لا .. فلا يجوز حتما استغفال الناس والضحك على ذقونهم، كما لا تجوز المتاجرة بمآسي الأشخاص الذين فقدوا حياتهم في حوادث الاختفاء الغامضة والتلاعب مشاعر عائلاتهم المنكوبة.
لكن من أجل المال يفعل الناس كل شيء.
أخيرا .. لابد من التذكير بأن العالم لا يخلو من حوادث اختفاء غامضة تحدث سنويا، وهناك قصص مشهورة تطرقنا لبعضها على هذا الموقع عن اختطاف البشر من قبل رواد الصحون الطائرة من أجل إجراء التجارب والفحوصات عليهم، لكن يبقى السؤال المطروح دائما حول هذه الحوادث يتخلص في السبب الذي يجعل الفضائيين خجولين إلى هذه الدرجة ليقوموا باختطاف الناس في السر وبالخفاء ؟ أنا شخصيا لم أفهم ذلك أبدا .. لماذا مخلوقات بالغة الذكاء قطعت مليارات الأميال عبر الفضاء للوصول إلى أرضنا تتحاشى التكلم معنا مباشرة، مما هم خائفون ؟ .. لماذا لا يظهرون ويأخذون بيدنا نحن البشريين المساكين لنتخلص من غباءنا وحروبنا وفقرنا وأمراضنا والموت الذي يحصد أرواحنا .. لماذا لا يكشفون القناع عن وجوههم بدل لعبة المطاردة والاختباء التي يمارسوها معنا منذ مئات وآلاف السنين ..
ربما الحكمة تقتضي بقائهم مجهولين .. أو ربما لا يكون لهم وجود أصلا وجميع قصصهم هي من اختراع الخيال الإنساني الخصب، ربما نحن المخلوقات الذكية الوحيدة التي تعيش في هذا الكون المترامي الأطراف ؟ .. ربما قدرنا أن نبقى وحيدين وحائرين دوما وأبدا ..
المصادر:
..................
1- The Fourth Kind (2009)
2- The Fourth KindFrom Wikipedia the free encyclopedia
3- The real story behind The Fourth Kind
3- “The Fourth Kind” Is A Hoax
3- J. Allen Hynek's Scale of UFO Classification