مخترع غريب الأطوار ماتت حبيبته في حادثة فصنع من أجلها آلة عجيبة سافر بها الى الماضي على أمل ان يعيد الحياة إليها عن طريق تغيير الأحداث التي أدت الى موتها , لكنه سرعان ما يكتشف بأن تغيير القضاء و القدر مهمة مستحيلة , هذه الحبكة الخيالية مستمدة من رواية شهيرة أصبحت موضوعا لعدة أفلام طالما أثارت في نفوس مشاهديها سؤالا محيرا و هو هل بالإمكان حقا السفر عبر الزمن ؟ النظريات العلمية تقول نعم! اما الفلاسفة فيردون ساخرين : كيف أعود الى الماضي البعيد و انا لم اخلق بعد و كيف أسافر الى المستقبل و هو لم يقع بعد ؟ رد وجيه لكنه مثل أغلب أجوبة الفلاسفة لا يزيد اللغز الا تعقيدا.
هل سيأتي عصر تكون فيه وكالات سفر تقوم برحلات الى الماضي و المستقبل؟
السفر عبر الزمان هو حلم راود الكثيرين و كان موضوعا خصبا للعديد من روايات الخيال العلمي , و لعل أشهرها في هذا المجال هي رواية آلة الزمن (The Time Machine ) التي ألفها هيربرت ويلز عام 1895 و تدور قصتها حول مخترع شاب غريب الأطوار ماتت حبيبته في حادثة فصنع من أجلها آلة عجيبة سافر بها الى الماضي على أمل ان يعيد الحياة إليها عن طريق تغيير الأحداث التي أدت الى موتها , لكنه سرعان ما يكتشف بأن تغيير القضاء و القدر مهمة مستحيلة فيقرر عوضا عن ذلك الانطلاق في رحلة الى المستقبل , و قد وجدت السينما في هذه القصة و غيرها من الروايات التي تتحدث عن السفر عبر الزمن موضوعا شيقا للعديد من الأفلام الخيالية التي نشاهد البطل فيها ينتقل من زمن الى آخر أحيانا بواسطة الة ميكانيكية معقدة و متطورة , و أحيانا أخرى بصورة مبسطة حيث ينام البطل او يسقط في مكان ما ليجد نفسه في زمان و بعد آخر , و رغم ان اغلب القصص و الروايات التي تناولت هذا الموضوع تم تأليفها في الغرب إلا ان حكايات الشرق لم تخلوا من فكرة مشابهة , أي الانتقال الى زمن أخر , مثل قصة أصحاب الكهف التي ذكرت في القرآن الكريم حيث يختبأ عدد من الرجال في كهف فيغلبهم النعاس و ينامون لعدة قرون ثم يستيقظون في عصر و زمان ثاني في المستقبل فيثيرون تعجب الناس و دهشتهم بسبب أزيائهم و نقودهم القديمة , و في التراث الشعبي العربي هناك حكاية الرجل الذي ينام في بقعة خالية ثم يستيقظ ليجد أمامه مدينة عامرة بالسكان و يكتشف لاحقا بأنها مدينة مسحورة او ملعونة لا تظهر إلا مرة واحدة كل مئة عام.
و لقرون طويلة ظل موضوع السفر عبر الزمن مقصورا على الروايات و القصص الخيالية , لكن في مطلع القرن التاسع عشر نشر ألبرت اينشتاين نظريته النسبية الخاصة و ألحقها بالنسبية العامة (1) بعد عدة سنوات , و قد قلبت هذه النظرية الكثير من مفاهيم و مبادئ علم الفيزياء و الفلك رأسا على عقب , فمنذ آلاف السنين تعامل الإنسان مع ثلاثة أبعاد مكانية ملموسة لتحديد مواقع الأشياء و حساب المسافات التي تفصل بينها , و هذه الأبعاد هي الطول و العرض و الارتفاع , لكن اينشتاين أضاف بعدا رابعا هو الزمن , و هو حسب نظريته ليس شيئا ثابتا كما تعودنا عليه دائما بل هو نسبي قابل للتغير , فكلما اقتربت سرعة جسم ما من سرعة الضوء تباطأ الزمن بالنسبة إليه , أي ان الشخص الذي يسافر في مركبة فضائية متطورة بسرعة تقارب سرعة الضوء (186000 ميل في الثانية) سيمر عليه الزمن بصورة أبطأ من الشخص الذي يعيش على الأرض , و على هذا الأساس فالسفر عبر الزمن ممكن نظريا , فلكي يسافر شخص ما الى المستقبل ما عليه الا ان يذهب برحلة فضائية بسرعة الضوء ثم يعود بعد عدة سنوات ليرى الأرض و قد شاخت عشرات السنين بينما لم يزداد عمره هو الا سنوات قليلة! (2) , لكن ماذا لو لم يعجب المستقبل مسافرنا الفضائي ؟ ماذا لو وجد الأرض بعد مئة سنة و قد تضاعف عدد سكانها و شحت مواردها و ازدادت الحروب و المجاعات عليها , سيندم حتما على سفرته و يتمنى لو يستطيع العودة الى الماضي و هو أمر ممكن أيضا من الناحية النظرية , و كل ما سيحتاجه المسافر الفضائي للقيام برحلة كهذه هو الانطلاق بمركبته الفضائية بسرعة تفوق سرعة الضوء , حينها سيبدأ الزمن بالتباطؤ إلى درجة انه سيعود القهقرى إلى الماضي.
لكن بما ان السير بسرعة الضوء تكاد تكون مهمة مستحيلة في المستقبل القريب , فأسرع مركبات البشر الفضائية لم تتجاوز سرعتها عدة كيلومترات في الثانية , لذلك فتش العلماء عن طرق أخرى للسفر عبر الزمن و وجدوا ضالتهم في الثقوب السوداء (Black hole ) التي هي عبارة عن أشباح لنجوم ميتة انسحقت كتلتها و تكاثفت حتى تحولت الى أجرام صغيرة جدا لكنها ذات جاذبية هائلة لا يفلت أي شيء يمر بها من قبضتها فهي تبتلع حتى الضوء و تؤثر على حركة الأجرام القريبة منها , و يعتقد بعض العلماء بأن هناك نوع من الثقوب السوداء تسمى الثقوب الدوارة اذا تمكن جسم ما من الدخول اليها و استطاع بطريقة ما من المرور عبرها من دون ان ينسحق في نواتها فأنه على الأرجح سيخرج من الجهة الأخرى الى بعد و زمن اخر , لكن هذه النظرية تبقى في الحقيقة حبرا على ورق بسبب ان العلماء لا يعلمون حتى الان على وجه الدقة ماذا يحدث داخل الثقوب السوداء ناهيك عن القيام برحلة الى داخلها.
هناك نظرية أخرى تقترح استعمال الخيوط او الأوتار الكونية للسفر عبر الزمن , و يقول العلماء بأن هذه الخيوط تخلفت عن الانفجار الكوني العظيم الذي يعتقد ان الكون نشأ عنه و ان هذه الخيوط تمتد لمسافات طويلة عبر الكون و ان تقاطع اثنين منها معا يولد طاقة كبيرة يمكن ان تؤدي إلى انحناء "الزمكان" و بالتالي تتيح إمكانية السفر عبر الزمن , لكن مشكلة هذه النظرية تكمن في الكيفية التي سيتمكن بها الإنسان من الولوج الى داخل هذه الخيوط الكونية فهو يفتقد التقنية المتطورة و الطاقة الهائلة التي يحتاجها للقيام بعمل كهذا.
و هناك نظريات أخرى لكنها جميعها تبقى مجرد أفكار و معادلات رياضية تقبع في رؤوس العلماء و قد لا يتمكن الإنسان من تحقيقها أبدا , الا ان هذه النظريات تتفق جميعها على ان الانتقال عبر نقاط زمنية مختلفة بين الماضي و المستقبل هو أمر ممكن و قد اثبت العلماء صحة ذلك عن طريق قياس الزمن على المركبات الفضائية التي ذهبت في مهمات خارج الأرض و مقارنته مع الزمن الأرضي و رغم ان فارق الزمن الذي حصل العلماء عليه كان بسيطا جدا , نظرا لبطء السفن الفضائية الحالية , لكنه كان كافيا لإثبات صحة نظرية أينشتاين حول نسبية الزمان.
موضوع السفر عبر الزمان لم يثر علماء الفيزياء و الفلك فقط و لم يتوقف عند مشكلة الطريقة او التقنية التي ستمكن الإنسان من القيام بهكذا رحلات و لكنه تعداها إلى أسئلة أخرى أثارها عدد من الفلاسفة و عجز العلماء عن تقديم الرد و الجواب الشافي لها , إحدى ابرز هذه الأسئلة هي ما سميت بـ "مفارقة الجد" و التي يفترض الفلاسفة فيها إمكانية السفر عبر الزمن و يفترضون ان شخصا ما استطاع العودة إلى الماضي و قام بقتل جده قبل ان يلتقي و يتزوج بجدته و لذلك فأن أبوه لن يولد أبدا و بالتالي فهو أيضا لن يولد و عليه فأنه لن يتمكن من القيام بسفرة إلى الماضي لأنه أصلا غير موجود في المستقبل , أحجية عجيبة حقا , تبدو أشبه بأحجية البيضة و الدجاجة و هي تنسف إمكانية السفر الزمني من الأساس , فرغم ان علماء الفلك و الفيزياء هم عباقرة بلا شك في مجال القوانين و المعادلات الرياضية التي تتطلب ذكاءا خارقا الا أنهم وقفوا عاجزين أمام هذا السؤال الفلسفي البسيط الذي اتخذه الفلاسفة كحجة و دليل على استحالة السفر عبر الزمن , كما أن فريق الفلاسفة طرحوا سؤالا أخر لا يقل إشكالا و جدلية عن سابقه , و هو انه إذا كانت إمكانية السفر عبر الزمن ممكنة حقا فلماذا لم يأتي احد من المستقبل لحد الان , فالبشرية ستبلغ حتما درجة كبيرة من التطور في المستقبل مما يمكن الإنسان من السفر عبر الزمن , لكننا لم نشاهد حتى الآن مسافرين قادمين من المستقبل ليزورا عصرنا الحالي ؟.
طبعا العلماء المؤيدين لفكرة السفر عبر الزمن لم يجلسوا صامتين و هم يرون الفلاسفة يمطروهم بوابل من الأسئلة المعقدة بل حاولوا تقديم بعض الإجابات و الحلول لهذه الأسئلة , و من ابرز هذه الحلول هي نظرية الكون او البعد الموازي التي تفترض بأن لكل بعد زمني أحداثه الخاصة به التي لا يمكن لشخص قادم من بعد او زمن أخر تغييرها , أي انها أشبه ما تكون بفكرة القدر و الحتمية , و هكذا فأن ما يسمى بـ "مفارقة الجد" لا يمكن ان تحدث لأن الإنسان قد يتمكن من السفر الى بعد زمني أخر لكنه لن يمتلك القدرة على التأثير به او تغيير أحداثه.
أما بالنسبة للمسافرين القادمين من المستقبل فأن بعض العلماء لا ينفون إمكانية ان يكون هناك أشخاص في عالمنا و عصرنا الحالي قادمون من المستقبل لكنهم متخفون و لا يعلنون عن أنفسهم و ذلك لأن بشر المستقبل سيكونون على مستوى راقي من التقدم و التحضر و سيكونون أكثر إنسانية و أكثر مسؤولية تجاه أفعالهم لذلك لن يقوم هؤلاء المسافرين المستقبليين بالإعلان عن أنفسهم كما أنهم لن يقوموا بأي عمل من اجل محاولة تغيير الماضي بل سيكتفون بالمراقبة , أي ان الأمر بالنسبة لهم هو أشبه بمشاهدة فلم سينمائي , و هناك فرضية أخرى تدعي ان إمكانية السفر عبر الزمان لن تكون متاحة ما لم تتوصل البشرية إلى التقنية التي تمكنها من القيام بهكذا سفرات , اي ان المسافرين القادمين من المستقبل لن يستطيعوا ان يأتوا الى عصرنا الحالي مالم نقوم نحن أولا بفتح الفجوة الزمنية التي تمكنهم من القيام بهذه الرحلة.
عمليا لا تبدو هناك أي فرصة للقيام برحلة زمنية في المنظور القريب و لا يعلم سوى الله وحده متى ستتمكن البشرية من الوصول إلى درجة من التطور تمكنها من القيام بهكذا رحلات , لكن يجب ان نتذكر بأننا جميعا مسافرون يمضي الزمن بنا مسرعا بواسطة مركبة أزلية اسمها العمر وقودها الأيام و السنين , و هي رحلة حتمية يقوم بها كل إنسان مرة واحدة في حياته و تكون دوما باتجاه واحد الى الأمام , و قد يكون كبار السن هم الأكثر إدراكا بمدى سرعة و قصر هذه الرحلة , و هم أيضا اشد الناس شوقا لآلة زمنية تعيدهم إلى أيام الصبا و الشباب لكنهم يدركون بأنها أمنية بعيدة المنال لذلك تراهم يكتفون بقول الشاعر :
ألا ليت الشباب يعود يوما .. فاخبره بما فعل المشيب
1- بعيدا عن الدخول في معمعة القوانين و المعادلات الرياضية المعقدة التي سيتعصي فهمها على اغلب الناس , النظرية النسبية ببساطة تعني ان كل شيء في الكون نسبي و لا وجود لشيء مطلق , ابسط مثال على ذلك هو عند ركوبك في سيارة مسرعة و مشاهدتك للأشياء خارجها كالأشجار مثلا , فما تراه عيناك هو ان هذه الأشجار تتحرك (في الحقيقة أنت تتحرك) اما الشخص الواقف في الشارع فيرى نفس الأشجار ثابتة في مكانها , و لنبسط المسألة أكثر , افترض سير سيارة أخرى الى جانب سيارتك و بنفس السرعة , ما ستراه في هذه الحالة هو ان السيارة الأخرى ثابتة لا تتحرك لأنها تسير بنفس سرعتك و تستطيع حتى تبادل الحديث مع سائقها اما الشخص الواقف في الشارع فسيراها تتحرك و تسير , و على هذا الأساس فأن كل مفاهيم حياتنا هي نسبية تختلف النظرة إليها من شخص الى أخر , و حتى أنت عزيزي القارئ قد تحسب نفسك جالسا خلف حاسوبك بدون حركة و لكنك تتحرك بسرعة كبيرة من حيث لا تدري , فالأرض تدور بك حول نفسها بسرعة ربع ميل في الثانية و حول الشمس بسرعة 18 ميل في الثانية و مجموعتنا الشمسية تنطلق بك داخل مجرتنا درب التبانة بسرعة 125 ميل في الثانية و مجرتنا ككل تسير بك بسرعة 40000 ميل في الثانية! .. تتمسك بشيء ما لئلا تطير من السرعة!.
2 – حول اختلاف زمن السماء عن زمن الأرض هناك آية قرآنية تقول : "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون (سورة السجدة)".
هل سيأتي عصر تكون فيه وكالات سفر تقوم برحلات الى الماضي و المستقبل؟
السفر عبر الزمان هو حلم راود الكثيرين و كان موضوعا خصبا للعديد من روايات الخيال العلمي , و لعل أشهرها في هذا المجال هي رواية آلة الزمن (The Time Machine ) التي ألفها هيربرت ويلز عام 1895 و تدور قصتها حول مخترع شاب غريب الأطوار ماتت حبيبته في حادثة فصنع من أجلها آلة عجيبة سافر بها الى الماضي على أمل ان يعيد الحياة إليها عن طريق تغيير الأحداث التي أدت الى موتها , لكنه سرعان ما يكتشف بأن تغيير القضاء و القدر مهمة مستحيلة فيقرر عوضا عن ذلك الانطلاق في رحلة الى المستقبل , و قد وجدت السينما في هذه القصة و غيرها من الروايات التي تتحدث عن السفر عبر الزمن موضوعا شيقا للعديد من الأفلام الخيالية التي نشاهد البطل فيها ينتقل من زمن الى آخر أحيانا بواسطة الة ميكانيكية معقدة و متطورة , و أحيانا أخرى بصورة مبسطة حيث ينام البطل او يسقط في مكان ما ليجد نفسه في زمان و بعد آخر , و رغم ان اغلب القصص و الروايات التي تناولت هذا الموضوع تم تأليفها في الغرب إلا ان حكايات الشرق لم تخلوا من فكرة مشابهة , أي الانتقال الى زمن أخر , مثل قصة أصحاب الكهف التي ذكرت في القرآن الكريم حيث يختبأ عدد من الرجال في كهف فيغلبهم النعاس و ينامون لعدة قرون ثم يستيقظون في عصر و زمان ثاني في المستقبل فيثيرون تعجب الناس و دهشتهم بسبب أزيائهم و نقودهم القديمة , و في التراث الشعبي العربي هناك حكاية الرجل الذي ينام في بقعة خالية ثم يستيقظ ليجد أمامه مدينة عامرة بالسكان و يكتشف لاحقا بأنها مدينة مسحورة او ملعونة لا تظهر إلا مرة واحدة كل مئة عام.
و لقرون طويلة ظل موضوع السفر عبر الزمن مقصورا على الروايات و القصص الخيالية , لكن في مطلع القرن التاسع عشر نشر ألبرت اينشتاين نظريته النسبية الخاصة و ألحقها بالنسبية العامة (1) بعد عدة سنوات , و قد قلبت هذه النظرية الكثير من مفاهيم و مبادئ علم الفيزياء و الفلك رأسا على عقب , فمنذ آلاف السنين تعامل الإنسان مع ثلاثة أبعاد مكانية ملموسة لتحديد مواقع الأشياء و حساب المسافات التي تفصل بينها , و هذه الأبعاد هي الطول و العرض و الارتفاع , لكن اينشتاين أضاف بعدا رابعا هو الزمن , و هو حسب نظريته ليس شيئا ثابتا كما تعودنا عليه دائما بل هو نسبي قابل للتغير , فكلما اقتربت سرعة جسم ما من سرعة الضوء تباطأ الزمن بالنسبة إليه , أي ان الشخص الذي يسافر في مركبة فضائية متطورة بسرعة تقارب سرعة الضوء (186000 ميل في الثانية) سيمر عليه الزمن بصورة أبطأ من الشخص الذي يعيش على الأرض , و على هذا الأساس فالسفر عبر الزمن ممكن نظريا , فلكي يسافر شخص ما الى المستقبل ما عليه الا ان يذهب برحلة فضائية بسرعة الضوء ثم يعود بعد عدة سنوات ليرى الأرض و قد شاخت عشرات السنين بينما لم يزداد عمره هو الا سنوات قليلة! (2) , لكن ماذا لو لم يعجب المستقبل مسافرنا الفضائي ؟ ماذا لو وجد الأرض بعد مئة سنة و قد تضاعف عدد سكانها و شحت مواردها و ازدادت الحروب و المجاعات عليها , سيندم حتما على سفرته و يتمنى لو يستطيع العودة الى الماضي و هو أمر ممكن أيضا من الناحية النظرية , و كل ما سيحتاجه المسافر الفضائي للقيام برحلة كهذه هو الانطلاق بمركبته الفضائية بسرعة تفوق سرعة الضوء , حينها سيبدأ الزمن بالتباطؤ إلى درجة انه سيعود القهقرى إلى الماضي.
لكن بما ان السير بسرعة الضوء تكاد تكون مهمة مستحيلة في المستقبل القريب , فأسرع مركبات البشر الفضائية لم تتجاوز سرعتها عدة كيلومترات في الثانية , لذلك فتش العلماء عن طرق أخرى للسفر عبر الزمن و وجدوا ضالتهم في الثقوب السوداء (Black hole ) التي هي عبارة عن أشباح لنجوم ميتة انسحقت كتلتها و تكاثفت حتى تحولت الى أجرام صغيرة جدا لكنها ذات جاذبية هائلة لا يفلت أي شيء يمر بها من قبضتها فهي تبتلع حتى الضوء و تؤثر على حركة الأجرام القريبة منها , و يعتقد بعض العلماء بأن هناك نوع من الثقوب السوداء تسمى الثقوب الدوارة اذا تمكن جسم ما من الدخول اليها و استطاع بطريقة ما من المرور عبرها من دون ان ينسحق في نواتها فأنه على الأرجح سيخرج من الجهة الأخرى الى بعد و زمن اخر , لكن هذه النظرية تبقى في الحقيقة حبرا على ورق بسبب ان العلماء لا يعلمون حتى الان على وجه الدقة ماذا يحدث داخل الثقوب السوداء ناهيك عن القيام برحلة الى داخلها.
هناك نظرية أخرى تقترح استعمال الخيوط او الأوتار الكونية للسفر عبر الزمن , و يقول العلماء بأن هذه الخيوط تخلفت عن الانفجار الكوني العظيم الذي يعتقد ان الكون نشأ عنه و ان هذه الخيوط تمتد لمسافات طويلة عبر الكون و ان تقاطع اثنين منها معا يولد طاقة كبيرة يمكن ان تؤدي إلى انحناء "الزمكان" و بالتالي تتيح إمكانية السفر عبر الزمن , لكن مشكلة هذه النظرية تكمن في الكيفية التي سيتمكن بها الإنسان من الولوج الى داخل هذه الخيوط الكونية فهو يفتقد التقنية المتطورة و الطاقة الهائلة التي يحتاجها للقيام بعمل كهذا.
و هناك نظريات أخرى لكنها جميعها تبقى مجرد أفكار و معادلات رياضية تقبع في رؤوس العلماء و قد لا يتمكن الإنسان من تحقيقها أبدا , الا ان هذه النظريات تتفق جميعها على ان الانتقال عبر نقاط زمنية مختلفة بين الماضي و المستقبل هو أمر ممكن و قد اثبت العلماء صحة ذلك عن طريق قياس الزمن على المركبات الفضائية التي ذهبت في مهمات خارج الأرض و مقارنته مع الزمن الأرضي و رغم ان فارق الزمن الذي حصل العلماء عليه كان بسيطا جدا , نظرا لبطء السفن الفضائية الحالية , لكنه كان كافيا لإثبات صحة نظرية أينشتاين حول نسبية الزمان.
موضوع السفر عبر الزمان لم يثر علماء الفيزياء و الفلك فقط و لم يتوقف عند مشكلة الطريقة او التقنية التي ستمكن الإنسان من القيام بهكذا رحلات و لكنه تعداها إلى أسئلة أخرى أثارها عدد من الفلاسفة و عجز العلماء عن تقديم الرد و الجواب الشافي لها , إحدى ابرز هذه الأسئلة هي ما سميت بـ "مفارقة الجد" و التي يفترض الفلاسفة فيها إمكانية السفر عبر الزمن و يفترضون ان شخصا ما استطاع العودة إلى الماضي و قام بقتل جده قبل ان يلتقي و يتزوج بجدته و لذلك فأن أبوه لن يولد أبدا و بالتالي فهو أيضا لن يولد و عليه فأنه لن يتمكن من القيام بسفرة إلى الماضي لأنه أصلا غير موجود في المستقبل , أحجية عجيبة حقا , تبدو أشبه بأحجية البيضة و الدجاجة و هي تنسف إمكانية السفر الزمني من الأساس , فرغم ان علماء الفلك و الفيزياء هم عباقرة بلا شك في مجال القوانين و المعادلات الرياضية التي تتطلب ذكاءا خارقا الا أنهم وقفوا عاجزين أمام هذا السؤال الفلسفي البسيط الذي اتخذه الفلاسفة كحجة و دليل على استحالة السفر عبر الزمن , كما أن فريق الفلاسفة طرحوا سؤالا أخر لا يقل إشكالا و جدلية عن سابقه , و هو انه إذا كانت إمكانية السفر عبر الزمن ممكنة حقا فلماذا لم يأتي احد من المستقبل لحد الان , فالبشرية ستبلغ حتما درجة كبيرة من التطور في المستقبل مما يمكن الإنسان من السفر عبر الزمن , لكننا لم نشاهد حتى الآن مسافرين قادمين من المستقبل ليزورا عصرنا الحالي ؟.
طبعا العلماء المؤيدين لفكرة السفر عبر الزمن لم يجلسوا صامتين و هم يرون الفلاسفة يمطروهم بوابل من الأسئلة المعقدة بل حاولوا تقديم بعض الإجابات و الحلول لهذه الأسئلة , و من ابرز هذه الحلول هي نظرية الكون او البعد الموازي التي تفترض بأن لكل بعد زمني أحداثه الخاصة به التي لا يمكن لشخص قادم من بعد او زمن أخر تغييرها , أي انها أشبه ما تكون بفكرة القدر و الحتمية , و هكذا فأن ما يسمى بـ "مفارقة الجد" لا يمكن ان تحدث لأن الإنسان قد يتمكن من السفر الى بعد زمني أخر لكنه لن يمتلك القدرة على التأثير به او تغيير أحداثه.
أما بالنسبة للمسافرين القادمين من المستقبل فأن بعض العلماء لا ينفون إمكانية ان يكون هناك أشخاص في عالمنا و عصرنا الحالي قادمون من المستقبل لكنهم متخفون و لا يعلنون عن أنفسهم و ذلك لأن بشر المستقبل سيكونون على مستوى راقي من التقدم و التحضر و سيكونون أكثر إنسانية و أكثر مسؤولية تجاه أفعالهم لذلك لن يقوم هؤلاء المسافرين المستقبليين بالإعلان عن أنفسهم كما أنهم لن يقوموا بأي عمل من اجل محاولة تغيير الماضي بل سيكتفون بالمراقبة , أي ان الأمر بالنسبة لهم هو أشبه بمشاهدة فلم سينمائي , و هناك فرضية أخرى تدعي ان إمكانية السفر عبر الزمان لن تكون متاحة ما لم تتوصل البشرية إلى التقنية التي تمكنها من القيام بهكذا سفرات , اي ان المسافرين القادمين من المستقبل لن يستطيعوا ان يأتوا الى عصرنا الحالي مالم نقوم نحن أولا بفتح الفجوة الزمنية التي تمكنهم من القيام بهذه الرحلة.
عمليا لا تبدو هناك أي فرصة للقيام برحلة زمنية في المنظور القريب و لا يعلم سوى الله وحده متى ستتمكن البشرية من الوصول إلى درجة من التطور تمكنها من القيام بهكذا رحلات , لكن يجب ان نتذكر بأننا جميعا مسافرون يمضي الزمن بنا مسرعا بواسطة مركبة أزلية اسمها العمر وقودها الأيام و السنين , و هي رحلة حتمية يقوم بها كل إنسان مرة واحدة في حياته و تكون دوما باتجاه واحد الى الأمام , و قد يكون كبار السن هم الأكثر إدراكا بمدى سرعة و قصر هذه الرحلة , و هم أيضا اشد الناس شوقا لآلة زمنية تعيدهم إلى أيام الصبا و الشباب لكنهم يدركون بأنها أمنية بعيدة المنال لذلك تراهم يكتفون بقول الشاعر :
ألا ليت الشباب يعود يوما .. فاخبره بما فعل المشيب
1- بعيدا عن الدخول في معمعة القوانين و المعادلات الرياضية المعقدة التي سيتعصي فهمها على اغلب الناس , النظرية النسبية ببساطة تعني ان كل شيء في الكون نسبي و لا وجود لشيء مطلق , ابسط مثال على ذلك هو عند ركوبك في سيارة مسرعة و مشاهدتك للأشياء خارجها كالأشجار مثلا , فما تراه عيناك هو ان هذه الأشجار تتحرك (في الحقيقة أنت تتحرك) اما الشخص الواقف في الشارع فيرى نفس الأشجار ثابتة في مكانها , و لنبسط المسألة أكثر , افترض سير سيارة أخرى الى جانب سيارتك و بنفس السرعة , ما ستراه في هذه الحالة هو ان السيارة الأخرى ثابتة لا تتحرك لأنها تسير بنفس سرعتك و تستطيع حتى تبادل الحديث مع سائقها اما الشخص الواقف في الشارع فسيراها تتحرك و تسير , و على هذا الأساس فأن كل مفاهيم حياتنا هي نسبية تختلف النظرة إليها من شخص الى أخر , و حتى أنت عزيزي القارئ قد تحسب نفسك جالسا خلف حاسوبك بدون حركة و لكنك تتحرك بسرعة كبيرة من حيث لا تدري , فالأرض تدور بك حول نفسها بسرعة ربع ميل في الثانية و حول الشمس بسرعة 18 ميل في الثانية و مجموعتنا الشمسية تنطلق بك داخل مجرتنا درب التبانة بسرعة 125 ميل في الثانية و مجرتنا ككل تسير بك بسرعة 40000 ميل في الثانية! .. تتمسك بشيء ما لئلا تطير من السرعة!.
2 – حول اختلاف زمن السماء عن زمن الأرض هناك آية قرآنية تقول : "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون (سورة السجدة)".